بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلقنا وسوّانا، وفضّلنا كأمة مسلمة على من سوانا. وصلى الله على خير الأنام وعلى آله وصحبه الكرام .
أما بعد فهذه محاولة لدراسة مفهوم وأبعاد مصطلح " السوق الشرق أوسطية " الذي ظهر في الآونة الأخيرة وقد ذهبت في هذه الدراسة إلى تحديد بدايات المفهوم ومن ثم توضيح أهدافه وسلبياته وإيجابياته .
وأسال الله أن يوفقني لإيضاح الحقيقة بجلاء فان وفقت فمن الله وحده وان لم أوفق فمن نفسي والشيطان .
وبداية أجد انه من الضرورة بمكان التقديم لهذه الدراسة بمقدمة مهمة تكون مدخلا لهذه الدراسة .
المقدمة :
يشكل موقع العالم العربي والذي يمكن تحديده جغرافيا بالمنطقة المحصورة بين البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الهندي جنوبا والخليج العربي شرقا والمحيط الأطلسي غربا ، أو المنطقة المحصورة فلكيا بين خطي 37 درجة شمال و2 درجة جنوب، أهمية كبرى إداريا واستراتيجيا نظرا لاتصاله بالبحار والمحيطات المجاورة فهو منطقة مفتوحة غير مقفولة ، وهو افضل الطرق للتجارة العالمية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا. فالبحر الأحمر يعتبر أهم معبر تجارى موجود في العالم ويمر منه اكبر حجم تجاري كونه يربط بين كل أنواع النشاط التجاري الموجود في العالم . ويمثل الخليج العربي ثقلا آخر حيث انه الممر من آسيا إلى أوروبا وازدادت أهميته بعد اكتشاف البترول.
كما يضيف الموقع الفلكي المتميز والذي يشمل ظروف مناخية مختلفة ، وإحاطة المنطقة بنهرين عظيمين الدلتا ودجلة والفرات إضافة إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي كل هذا يضيف بعدا آخر لأهمية المنطقة. إضافة إلى ذلك فان هذه المنطقة كانت بوتقة لتلاقي الحضارات وتلقيح الأفكار، فالمنطقة العربية منطقة حضارية منذ قديم الزمان ففيها نزلت جميع الأديان السماوية ، إضافة إلى أن تميز المنطقة أيضا بوسطيتها هيئها لاستقبال الرسائل السماوية .
فالمنطقة حضاريا وثقافيا وإستراتيجيا منطقة هامة جدا ، وكل هذا العوامل أثرت في المنطقة من ناحيتين إيجابية وسلبية :
فالتأثير الإيجابي : اتضح اكثر خاصة بعد ظهور الإسلام حيث توحدت المنطقة حضاريا وثقافيا بواسطة أخر الرسالات أي أسمى الرسالات فقامت الحضارة الإسلامية في حين كانت المناطق والدول الأخرى تعيش في تخلف فكرى وثقافي وتشرذم خاصة أوروبا التي عاشت في الفترة التي تعرف بفترة الظلام. وتوحد المنطقة كان فكريا وحضاريا وثقافيا إلي الكعبة المشرفة ، أما توحدها إداريا فكان إلى عاصمة الخلافة الإسلامية المدينة المنورة ومن ثم انتقلت الوجهة إلى دمشق فبغداد والقاهرة وإسطنبول فتنقلت الوجهة بانتقال عاصمة الخلافة وهكذا تبعت الوجهة الإسلامية حيثما انتقلت العاصمة. وقد كان توحد الوجهة التنظيمية الإدارية مسبوقا وفريدا حيث لم يكن موجودا في الدول أو الحضارات الأخرى،واستمر توحد الحضارة الإسلامية إلى أواخر القرن العشرين .
أما التأثير السلبي : فقد كان بسبب طمع الدول المستعمرة في المنطقة لحاجتها للخامات الموجودة بها ولموقعها الاستراتيجي السابق الذكر ، فاتفقت دول أوربا كلها لإضعاف آخر الخلافات الإسلامية في تركيا وإجبارها للتنازل عن المنطقة حيث قسمت المنطقة لأهميتها إلى مناطق نفوذ بريطانية ( مصر والسودان والعراق وجزء من الشام ) ومناطق نفوذ فرنسية ( شمال إفريقيا، تونس الجزائر والمغرب وجزء من الشام والصومال ) { قسمت الصومال إلى ثلاثة مناطق نفوذ لأهمية موقعها وإطلالتها على عدة منافذ بحرية } ومناطق نفوذ إيطالية ( ليبيا ) حتى أسبانيا بالرغم من ضعفها أخذت قسم من المغرب ولا زالت تحتله حتى الآن ، وكان التقسيم إلى مناطق نفوذ ثم إلى مناطق مستعمرة ومن ثم إلى دوليات محكومة من قبل المستعمرين ، وبعد استقلال غالبية الدول لم يشأ المستعمرون ترك المنطقة نظرا لأهميتها ولذلك زرعت إسرائيل في خاصرة الدول العربية لخدمة أهداف الاستعمار ولكي لا تتوحد الدول العربية مرة أخرى وتنتشر مثلما انتشرت في بداية العصر الإسلامي وفي فترة قصيرة جدا لا تتعدى السبعين سنة .
وقد كان من أسباب قيام الدولة العبرية انشغال العرب كلهم بها وتخلفهم عن مواكبة العلم والتقدم والتقنية والتكنولوجيا وبتطوير الإنسان والتربية ونظام الحكم كما شغلهم ذلك أيضا عن نشر الدعوة الإسلامية وعن كثير من قضاياهم الأساسية .