Admin Admin
عدد المساهمات : 359 تاريخ التسجيل : 11/01/2010
| موضوع: حكايات نفسية صدمة نفسية الجزء الاول الخميس يناير 28, 2010 4:32 pm | |
| نهض أبو حازم متثاقلا بعد أن رن جرس الباب الخارجي للمرة الثالثة ليرى من يكون الزائر الذي شاء أن يحضر في وقت كان هو مستغرقا في مشاهدة أحد الدعاة الإسلاميين الشبان في التلفاز والذين يبهرون المشاهد بأسلوبهم الشيق والرائع في الخطابة وهم في ملابسهم الإفرنجية الغير مألوفة للمشاهد. منظر مختلف تماما عن ما اعتاده من الشيوخ التقليديين المعممين ذوى اللحى المسترسلة المخضبة بالحناء والذين يصيبون المشاهد بالملل بأسلوبهم المتكلف.
كان أبنه حازم والذي يبلغ الرابعة عشر من عمره لدى الباب وهو عائد لتوه من درس المراجعة مع أستاذ الرياضيات ويشاركه الدرس زميلاه خالد وبسام. ثلاثتهم يلتقون مرتان أسبوعيا في منزل الأستاذ الذي لا يبعد كثيرا من منزله ليراجع معهم المادة. ما أدهش الوالد أن حازم تخطاه للداخل بدون أن يحييه كالعادة وما زاد من استغرابه ودهشته عندما أقفل الباب ولحق بابنه بالداخل ليستطلع الأمر إذ به يجده جالسا متهالكا على الكنب بغرفة الجلوس باديا عليه الإعياء الشديد. بادره الوالد متسائلا: "ما بك يا حازم؟ هل أنت بخير؟"
أزداد الوالد حيرة عندما لم يجبه حازم كأنه لم يسمعه أو لم يره وهو يحلق ببصره بعيدا في الفضاء كأنه في عالم آخر.
أنزعج الوالد كثيرا لما يشاهده وبسرعة قام بالاتصال بأستاذ الرياضيات لعله يميط اللثام عما يحدث لأبنه. رد عليه الأستاذ بأنه يتحدث من المدينة المجاورة والتي تبعد حوالي مائة كيلو متر وأعتذر للوالد بأنه أضطر لإلغاء الموعد لهذا السبب وأكد أنه أتصل بالتلاميذ الثلاثة لكي يعلنهم بغيابه وواعدا بأنه سيعوضهم الدرس لاحقا. عندها أتصل الوالد بكلى الطالبين الذين أكدا له ما ذكره الأستاذ.
تساءل الوالد مع نفسه:" أذا كان الأستاذ قد أتصل بابنه ملغيا الحصة لماذا خرج حازم وأين كان؟ وماذا حدث له؟".
أستدعى زوجته التي كانت بالداخل منشغلة ببعض شئونها فهالها رؤية حازم في تلك الحالة. وبعد شرح مقتضب طلب منها العناية بحازم ريثما يستجلى الأمر. ولكي يتحقق بنفسه ذهب إلى منزل الأستاذ ولم ير أي أثر لسيارته في الخارج وعند طرقه للباب لم يجبه أحد وكل شيء بدا صامتا بالداخل مما يؤكد رواية الأستاذ بأنه خارج البلدة.
عاد الوالد للمنزل وعلم من زوجته أنها أخذت حازم لسريره وفى الحال أستغرق في نومه بدون أن يخبرها بشيء. حاول الاثنان تفسير ما خفي عنهما بشأن حازم ولكنهما آثرا الانتظار إلى الصبح لعل حازم يستطيع إن يوضح لهما الأمر عندما يصحو.
في صبيحة اليوم التالي أفاق حازم مبكرا وكالعادة توجه للحمام وغير ملابسه استعدادا للذهاب لمدرسته. كان الوالدان يراقبانه خلسة إلى أن جلس إلى المائدة ليتناول سندوتش الإفطار وكوب اللبن اللذان أعتاد عليهما كل صباح. كان صامتا وقد فارقت وجهه تلك الابتسامة التي تعود عليها الوالدان. ذكر لهما باقتضاب أنه بالرغم من شعوره ببعض الألم في جسمه إلا انه نام مبكرا ليلة البارحة قبل أن يراجع دروسه. لم يرد الوالدان إرباكه مرة أخرى بأسئلتهما بعد أن أطمأنا عليه بعض الشيء. ولكي يطمئن الوالد أكثر أصر أن يوصله للمدرسة بنفسه بسيارته .
اتصلت أدارة المدرسة بوالد حازم عند منتصف النهار طالبة منه الحضور للمدرسة لأخذ حازم للطبيب لأنه لا يبدو على خير. لقد لاحظ معلموه وزملاؤه في الصف أنه غير مركز ولا يستجيب لأسئلتهم ولا يترك مقعده إثناء الفسحة. اعتقدوا أنه مريض ويحتاج لزيارة الطبيب. أجرى الطبيب كشفا سريريا كاملا مع مجموعة من الفحوصات وصور الأشعة التي لم تظهر شيء غير طبيعي. كذلك لم يعثر على أي كدمات أو خدوش تدل على أنه تعرض لحادث ما اليوم السابق. لذلك أوصى بزيارة الطبيب النفسي عسى أن يستطيع أن يشخص الحالة في مجاله.
بعد أسئلة كثيرة وفحص نفسي دقيق أوضح الطبيب النفسي للوالد أن حازم تحت تأثير "صدمة نفسية" نتجت عن حدث ما ألم به اليوم السابق ونتيجة لذلك فقد الذاكرة لذلك الحدث وسوف تعود إليه ذاكرته عندما تنتهي آثار تلك الصدمة. وبعد أن أطمأن الوالد أعطاه الطبيب وصفة طبية لعقار مهدئ ليتعاطاه حازم للأيام القليلة القادمة ونصح بأن يخلد للراحة بالمنزل لمدة ثلاث أيام.
تحسنت الحالة الصحية لحازم بعد أيام بصورة سمحت له بالانتظام في الدراسة ألا انه رفض بشدة الاستمرار في الدرس الأضافى مع أستاذ الرياضيات بالرغم من سؤال الأستاذ والتلميذان الآخران عنه باستمرار. كان حازم في الماضي يحب الذهاب للمراجعة مع التلميذين الآخرين وكان الأستاذ يعطيه اهتماما خاصا وكثيرا ما كان يمدحه ويمزح معه وقد أدى ذلك الاهتمام لتحسن كبير في علامات حازم في تلك المادة.
لاحظ الوالدان أن تغييرا ما حدث في سلوك حازم بعد تلك الواقعة. لقد أصبح أكثر انطواء على نفسه، لا يغادر غرفته ألا عندما تستدعيه والدته للمشاركة في وجبة طعام. وكذلك لا حظا أن تلك البسمة التي عودهما عليها قد اختفت. توقف عن المزح ومداعبة والدته ومساعدتها في أعباء المنزل. كما أن الوالد أفتقد فيه حبه للنقاش ومشاركته له مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية. أنفض عنه كل أصدقائه القدماء لأنه أصبح غير متحمس للقائهم أو الحديث معهم. الشيء الوحيد الذي أصبح يهتم به الآن هو الانتظام في الدراسة صباحا والإنكباب على مراجعة دروسه في غرفته مساء. وقد لوحظ في الصف الدراسي وهو يجلس منزويا نائيا بنفسه عن المشاركة ولو طلب منه أستاذه الإجابة على سؤال ما يبدو مرتبكا متلعثما مما يثير شفقة زملائه في الصف عليه. كان في الماضي يتصدى لأي سؤال ويجيب بثقة كاملة وباقتدار ولكنه الآن فقد كل ذلك. ومع ذلك واصل حازم دراسته بتفوق والتي تفرغ لها بالكامل مما أسعد والديه. | |
|