Admin Admin
عدد المساهمات : 359 تاريخ التسجيل : 11/01/2010
| موضوع: حكايات نفسية ضغوط نفسية الخميس يناير 28, 2010 4:45 pm | |
| ضغوط نفسية
عبد السلام أفندى يشغل وظيفة نائب المدير الإداري لشركة تصدير كبيرة منذ عدة سنوات. نسبة لكفاءته وأمانته وإخلاصه لعمله فقد حول المدير الإداري معظم صلاحياته لعبد السلام واكتفى بالتوقيع على المعاملات الهامة لأنه يثق في عبد السلام غاية الثقة. وتحفيزا له على ذلك زيد راتبه لما يقارب الضعفين.
كفاءة ونزاهة عبد السلام تعزى لبعض السمات القهرية في شخصيته التي من بينها التدقيق الشديد، والنظام، والانضباط في المواعيد والعمل,لا مجال عنده لتضييع الوقت فيما لا يعنى الشركة أو يخدم مصالحها ولذلك هو يراقب بكثب أداء الذين يشرف عليهم للتأكد من جديتهم وإخلاصهم للشركة مثله. الكثير منهم يتضجر من الضغوط التي يفرضها عليهم للإسراع بإنجاز ما يوكل إليهم من معاملات. والويل لأي موظف يراه عبد السلام متقاعسا في عمله أو غير منضبط في مواعيد العمل الرسمية لأي سبب من الأسباب.
هو نفسه يرزخ تحت وابل من الضغوط وذلك لإصراره التدقيق على الملفات التي ينجزها غيره قبل التوقيع عليها. وأحيانا يأخذ معه معاملات وملفات كثيرة ليراجعها أو ينجزها في المنزل. وقد يتأخر لساعات بعد الدوام الرسمي ليتأكد أن كل شيء على ما يرام.
كذلك هو جدي ومتزمت ولا وقت لديه لعلاقات اجتماعية أو مجاملات. وقد تعود أن يحضر معه في الصباح إبريقا حافظا للحرارة مليئا بالقهوة وبعض السندوتشات ليتناولها أثناء الدوام لأن لا وقت عنده لزيارة الكفتريا التي يعتبرها مدعاة للتسيب لدى البعض.
عبد السلام أفندي متزوج من سميرة التي زاملته في الجامعة فأحبها وارتضت أن تتزوجه نسبة لشعوره وتحمله للمسؤولية. لهما ثلاثة أطفال، بنت وولدين أكبر الأولاد في العاشرة من عمره والآخر السابعة، وأصغرهم "بهجة" في الخامسة من عمرها.
لا وقت لعبد السلام ليشارك في أعباء المنزل والأسرة، ونسبة لانشغاله بعمله بالشركة فقد ترك لسميرة كل مسئولية المنزل والأطفال بالإضافة إلى مراجعة دروسهم وواجباتهم المدرسية، واصطحابهم للحدائق وفى زياراتها الخاصة للأقارب والأصدقاء. عبد السلام يعتقد أنه بشرائه سيارة خاصة بها وإعطائها أي مبلغ من المال تطلبه لا بد وأن تكون سعيدة بذلك.
يرجع عبد السلام يوميا من العمل متأخرا حاملا معه بعض الملفات وهو منهك ومتوتر. بعد وجبة الغداء يريد أن يريح جسمه قليلا ويطالب سميرة أن تضبط الأطفال. فالويل لهم إذا ما أصدروا أي ضوضاء التي من شأنها أن تثير ثائرته وغضبه. ليس له فى المنزل أي وقت ليقضيه مع الأطفال مشاركا لهم فى ألعابهم أو التحدث إليهم فهو متجهم طول الوقت وصامت ومنكبا على دفاتره. يخرج من غرفته فقط لمشاركة الأسرة وجبة الطعام أو مشاهدة التلفزيون أثناء نشرة الأخبار.
لسميرة ثلاثة صديقات يجتمعن مرة كل أسبوع في منزل أحداهن للثرثرة ولتناول الشاي أو القهوة. وكما يقول المثل " "الطيور على أشكالها تقع." فأربعتهن لديهن نفس المشاكل مع أزواجهن ولذلك هن يتبارين في وصف ما يلقينه من أزواجهن من قسوة وإهمال بصورة درامية. اقترحت أحداهن مازحة أن يأخذن أزواجهن للطبيب النفسي لكي يعالجهم من عصبيتهم ونوبات غضبهم. ضحكن كثيرا من الاقتراح لأنهن يعلمن رد الفعل المتوقع من الأزواج. أحداهن أكدت أن زوجها سيعتقد أنها تتهمه بالجنون، وقد تحرم من مصروفها الخاص أو تطرد من المنزل لتبقى عند والدها لعدة أسابيع عقابا لها على تطاولها عليه.
ذات يوم عاد عبد السلام من مكتبه مبكرا وفى روح معنوية عالية لأنه منح ترقية استثنائية. وقد أحضر معه مأكولات شهية من المطعم ليتناولها سويا مع الأسرة أحتفاءا بالمناسبة السعيدة. أثناء تناولهم الطعام وعلى غير المعتاد كان يمزح مع الأطفال ويلاطفهم وهم في غاية السعادة.
اغتنمت سميرة هذه الفرصة بعد أن أصبحا لوحدهما وعبد السلام يرتشف قهوته باستمتاع وفى غاية الهدوء والتهذيب وقالت له أنها تتمنى أن يكون مزاجه كل يوم مثل هذا اليوم بدون صراخ وشتم وضرب في بعض الأحيان. كما أنها تشعر بالسعادة لملاطفته للأطفال على غير العادة. تأسف عبد السلام لها كثيرا وذكر لها أن الضغوط التي يتعرض لها في عمله تجعله في غاية العصبية والتوتر ويتمنى أن يستطيع السيطرة على حالة الانفعال والغضب السريعين المبتلى بهما بدون إرادته. بعد تردد سألته ما إذا كان من الأفضل زيارة طبيب نفسي لينصحه ويساعده على حل مشكلته هذه والتي باعدت بينه وأفراد أسرته. لم تصدق أذناها عندما وافق على مقترحها على الفور, وقبل أن بغير رأيه سارعت واتصلت بسكرتيرة أحد الأطباء النفسيين وأخذت موعدا مساء اليوم التالي الذي ناسب عبد السلام.
في الموعد المحدد كان اثناهما أمام الطبيب. وبإيجاز ذكر عبد السلام للطبيب مشكلته وهى شعوره بالقلق والتوتر طيلة ساعات اليوم وما ينتج عنهما من عصبية وانفعال، وأحيانا تصدر منه ألفاظ وسلوك يخجل منها بعد أن يهدأ. وكذلك ذكر له أن الأطفال يخافونه و يسارعون بالهروب من أمامه لأنهم لا يشعرون بالأمان عندما يكون بالمنزل. أما موظفوا الشركة فهم يتحاشون الدخول عليه في مكتبه إلا إذا طلب منهم ذلك. وهنا أمنت سميرة على ما ذكره زوجها وترجت الطبيب أن يساعد على تهدئته مع السيطرة على نفسه قليلا.
أوضح له الطبيب أن ما يعانى منه هو نتيجة للضغوط التي يعرض نفسه إليها في عمله والذي يواصله في المنزل. فالعلاج يتطلب التقليل من ضغوط العمل مع برنامج علاجي متكامل يشتمل على علاج دوائي ونفسي/ سلوكي يساعده على كبح عصبيته ونوبات غضبه. ذلك بجانب تغيير نمط حياته حتى لا يكون كل وقته مكرسا للعمل فقط، بل يجب عليه أن يروح عن نفسه قليلا بمزاولة هواية يريح بها أعصابه: مثلا رياضة أو سباحة. وكذلك يشمل البرنامج التدرب على بعض التمارين التي تريح المخ والبدن‘ مثل التنويم الذاتي والتأمل واليوقا.
ما هي إلا أيام من بدأ البرنامج العلاجي الذي تقيد به عبد السلام حرفيا حتى بدت تغييرات كبيرة في مزاجه وسلوكه لحظها كل من يعرفه. بدأ يرجع من الدوام مباشرة بعد نهايته، ولا يحضر معه ملفا إلا عند الضرورة القصوى. اختفت نوبات العصبية والغضب، واخذ يشارك أطفاله في ألعابهم ويساعدهم فى واجباتهم المدرسية ويأخذهم في نهاية الأسبوع للحدائق ومطاعم المأكولات السريعة ويعامل زوجته بود واحترام ويعبر لها عن حبه وشعوره بالامتنان لما تقوم به من إدارة لشئون المنزل والأطفال. كذلك صار أجتماعيا ومتسامحا مع موظفيه ويمر عليهم فى مكاتبهم ليحييهم ويشكرهم على ما يقومون به من أعمال.
كل من يعرف عبد السلام أفندي مستغرب ومتحير لهذا التغيير الكبير في المزاج والسلوك. بعضهم عزى ذلك لمطوع قرأ عليه القرآن أو معالجا أزال عنه عملا أو سحرا أو جنية كانت تتملكه.
هذا التغيير الكبير في شخصيته كان بثمنه بالنسبة لسميرة. تحول الأطفال عنها والتصقوا أكثر بوالدهم. بدؤوا يعاندونها وينتظرونه بفارغ الصبر ليشاركهم الطعام وألعابهم. وأثناء لعبهم يبعثرون الأثاث ويصخبون كثيرا في حضور والدهم الذي لا يكترث لما يفعلون. في مرات كثيرة كانت تنفجر باكية مما يحدث من الأطفال من بعثرة وتخريب وضوضاء. أصبحت عصبية تلطم خديها وتصرخ على الأطفال وأحيانا تضربهم لكي يرتدعوا بدون أي نتيجة. وهى تلوم كثيرا عبد السلام الذي تعتقد أنه يشجعهم على ذلك بلامبالاته وصمته.
في أحد الأيام عادت للمنزل ومن الخارج كانت تسمع الضوضاء التي تصدر من الأولاد ومن صوت التلفزيون المرتفع. هالها ما رأته بالداخل من فوضى وعبد السلام جالس يتصفح جريدته وهو في غاية الهدوء والطمأنينة. صرخت على الجميع وخاصة على زوجها الذي لا يفعل شيئا. تركت غرفة المعيشة سريعا عندما لم يعرها أحد انتباها ولجأت إلى غرفتها وهى تبكى بصورة هستيرية.
في صباح اليوم التالي طلبت مقابلة سريعة مع الطبيب. استقبلها الطبيب بحفاوة وسألها عن أحوال عبد السلام. كانت من قبل تبدو سعيدة بنتيجة العلاج وتبدى امتنانها للطبيب على مجهوده مع زوجها. احتار الطبيب في أمرها خاصة عندما شاهد دمعتين تنسابان من عينيها لتغمران خديها. تساءل الطبيب منزعجا:
" هل انتكس عبد السلام؟ لا بد أنه توقف عن أخذ العلاج".
أجابته وهى تحاول كتمان غيظها بأنها هي التي انتكست وتحتاج الآن إلى العلاج. ومن ثم أطلعت الطبيب على كل ما يحدث من عبد السلام وختمت حديثها بقولها للطبيب وبصوت لائم:
" أنا يا دكتور كنت عايزاك بس تهدؤو، ما كنت أتصور أنك حتبردو وكمان تتلجو." | |
|