Admin Admin
عدد المساهمات : 359 تاريخ التسجيل : 11/01/2010
| موضوع: الخدمة الاجتماعية كعقاب للمعاكسين والمخالفين بدلا من السجن الأحد فبراير 14, 2010 2:53 pm | |
| يطبق معظم دول العالم مبدأ العقاب للمخالفين والمعاكسين والمتحرشين بالآخرين وأصحاب الجنح الصغيرة, بجعلهم يقومون ببعض الساعات من العمل والخدمة الاجتماعية كعقاب أو جزاء رادع, وذلك بدلا من زجهم في السجون وتعريضهم للاحتكاك بالمجرمين الكبار ومهربي المخدرات. بعض هؤلاء الشباب, كما هو الحال لدينا في سجوننا, يتم جمع من يدخل السجن بسبب مخالفة مرورية صغيره ليزج به في السجن ويختلط مع بقية المجرمين المحترفين وأصحاب السوابق ومهربي المخدرات فيصبحون لقمة سهلة لهم لإغرائهم للعمل كعملاء معهم. فهم يؤثرون فيهم ليخرج هؤلاء الشباب من السجن كخريج تهريب مخدرات أو مجرم محترف بسبب خلطنا النوعين من المجرمين والمخالفين في مكان واحد.
ومبدأ أو نظام العقاب بالخدمة طريقة متبعة دوليا, وتسمى خدمة الشباب, أساسها تنمية وتقوية الإحساس لدى الشباب والقاصرين أو الأحداث بدورهم الاجتماعي وواجبهم للمشاركة في العمل الاجتماعي لخدمة المجتمع والوطن, إضافة إلى ما تعود عليه بالفائدة لهؤلاء الشباب فيه نوع من التدريب لهم والتعليم والتوعية لتحقيق أهداف اجتماعية واعدة. ومن جهة أخرى فهي تحل مشكلة ازدحام السجون أو الحاجة إلى تكاليف لبناء سجون إضافية.
وهذا المبدأ عادة يكون مبنيا على أساس دستور مكتوب لحقوق المواطنين, لذلك فإن معظم المجتمعات المتقدمة تلجأ إلى إيجاد ضوابط وأنظمة تحفظ حقوق المواطنين فيما بينهم ودستور مكتوب يحدد حقوق كل مواطن وحدود حرياته تجاه الآخرين. ومن ثم وضع الأنظمة الصارمة لمن يتعدى حدوده أو يتخطاها ليعتدي على حقوق الغير سواء الحقوق الواضحة أو غير المرئية. وقد تطور الوضع لدرجة أن تلك المجتمعات أصبحت تحاول الاستفادة من معاقبة المخالفين أو المعاكسين ومن تكون جريمتهم بسيطة مقارنة بالجرائم الكبرى, وذلك عن طريق إجبارهم على القيام ببعض أعمال الخدمة الاجتماعية لمدة أيام أو ساعات معينة تتناسب مع المخالفة التي ارتكبوها. مثل القيام بتنظيف الطرق والحدائق أو أنواع الخدمات الاجتماعية والبلدية الأخرى, أو جمع الملابس والأثاث المستعمل وتوزيعه على الفقراء، المحافظة على البيئة، تنظيف أكتاف الطرق السريعة، التطوع مع خدمات الدفاع المدني، العمل في المكتبات العامة، والمساعدة على بناء إسكان الفقراء.
أرى أن هذا الأسلوب هو من أفضل أساليب العقاب الذي له إيجابياته الكثيرة للمخالف وللمجتمع. وهو أسلوب يجب أن نقتبس منه ما يناسبنا. بل إنه مبدأ يمكن الاستفادة منه لأمور أخرى في حياتنا مثل معاقبة الطلاب المخالفين في المدرسة فيقوم بأعمال التنظيف أمام زملائه, وبذلك يخجل من فعلته ويكون مثالا ليردع الآخرين. وكذلك الحال في تربية أبنائنا وتأديبهم بطريقة فاعلة ومجزية, بحيث يقوم أولياء الأمور بمعاقبة أبنائهم عند اقترافهم أي أخطاء أو أفعال مشينة, أو عدم تقيدهم بتعليمات الوالدين ليقوموا ببعض الأعمال المنزلية مثل التنظيف أو غسل السيارة لمدة أسبوع أو قص الأشجار وتنظيف الحدائق وغيرها من الأعمال التي تعود علينا بالنفع بدلا من معاقبتهم بإقفال الغرفة عليهم.
وقد رأينا وسمعنا كثيرا عن تلك التجربة في معظم الدول, فيقف الفنان الإنجليزي المشهور بوي جورج في أحد شوارع مدينة لندن وهو يقوم بجمع النفايات لمدة خمس ساعات يوميا لمدة أسبوع. كما تقوم أغنى وأشهر سيدة مطبخ أمريكية وهي مارثا سيوارت بساعات من الخدمة الاجتماعية بسبب تلاعبها في شراء أسهم شركتها وبطريقه لم تصرح بها. وكثير من الأغنياء حتى أصحاب السلطه نجدهم يقومون بتلك الخدمة كعقاب على ما اقترفوه من مخالفات. وفي بعض الأحيان تطلب تلك الخدمة الاجتماعية حتى من مرتكبي الجرائم الكبرى لتخفيف العقوبة عنهم.
كما أن بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية تعد حصول الطالب على شهادة في الخدمة الاجتماعية أحد متطلبات القبول وأن الطالب يجب أن يكون قد أنهى ساعات معينة من الخدمة أثناء دراسته الثانوية. وتحدد بعض الجامعات مثل بيركلي وهارفارد وغيرهما ساعات معينة للقبول, وهي عادة لا تقل عن 300 ساعة عمل أو أكثر.
وهو مبدأ رائع للاستفادة من هؤلاء في سد بعض الوظائف أو الأعمال التي لا يوجد من يقوم بها. ولكنها في الوقت نفسه تكون رادعا للآخرين وتعطيهم درسا واضحا من جراء مشاهدتهم هؤلاء المخالفين وهم يقومون بتلك الخدمة. وبذلك يخجل ويخجل الآخرون من الوقوع في الموقف نفسه. ومن منطلق آخر, فإن هذا المبدأ جزء من المنظومة الكبيرة للعمل الاجتماعي والتطوعي الذي نغفله أو نتهاون فيه ونتجاهله في الوقت الذي نحن في أمس الحاجة إليه. وبذلك فإن الاستفادة من هؤلاء المعاكسين بهذه الصورة تعد أكثر فائدة من تعريضهم للسجن وحبسهم دون أي فائدة لهم أو لنا. بل إن معاقبتهم بالعمل الاجتماعي سيخفف من الحاجة إلى السجون وبنائها أو توسعتها.
وقد نكون نحن أقل الدول اهتماما بوضع دستور يحكم حقوق المواطنين فيما بينهم. ويحدد الدوائر الشخصية لكل مواطن وأن حريته تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين. فأنت حر أن ترفع صوت المذياع أو الموسيقى ولكن ذلك فيه إزعاج للآخرين وتطفل على حرياتهم. وأن تكون الأمور موضحة بالتفصيل الدقيق لكل حدث. فمثلا لو قام أحد المواطنين بإيقاف سيارته على باب منزلك ومنعك من الخروج! فما هو الجزاء أو العقاب له؟ وماذا لو سقطت شجرة من منزل جارك على منزلك وحطمت سيارتك أو أصابت أحد أطفالك؟! ماذا لو شتمك أحد وثبت عليه الذنب فما حقوقك؟! موضوعات كثيرة نحتاج إلى تصنيفها وتفصيلها لتحكم علاقاتنا الاجتماعية وللمصلحة العامة وفق ضوابط الشريعة الإسلامية, ومن ثم وضع الضوابط والجزاءات وتطبيقها بصرامة.
موضوع الخدمة الاجتماعية أمر ضروري ويجب التفكير فيه, وكذلك موضوع وضع الأنظمة والأسس للمجتمع الحضري والذي يجب أن نبدأ في تطبيقها وأن نعد لها دراسة تحليلية جيدة وأن تتم الاستفادة من تجارب تلك الدول وأخذ ما ينفعنا ويناسبنا منها, وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون لا أن نعيد اختراع العجلة. | |
|